الاستاذ / محمد سمير Admin
عدد الرسائل : 92 مصر تاريخ التسجيل : 10/10/2007
| موضوع: علوم البلاغة الثلاثاء يناير 06, 2009 1:18 am | |
| تعريف البلاغة:
البلاغة ابتداء في لغة العرب ـ كما في المعجم الوسيط ـ حسن البيان وقوة التأثير.
وهي عند علماء البلاغة: علم تدرس فيه وجوه حسن البيان، ومن هنا
فإن علوم البلاغة لعبت دوراً كبيراً في تاريخ العرب من حيث تخليد البلغاء وضربهم للناس أمثلة يحتذون بها
ورفع شأن المتكلم أوالخطيب أوالشاعر بحسب قربه أو التصاقه بقواعد البلاغة وقوانينها.
وهي مشتقة من كلمة بلغ، التي تعني الوصول إلى النهاية، فهي تعني في اللغة:
إيصال المعنى كاملا إلى ذهن القارئ والسامع.
تقسم علم البلاغة في اللغة العربية إلى ثلاثة فروع هي:
1 - علم البيان
2 - علم المعاني
3 - علم البديع
علم البيان
هو إيراد المعنى الواحد بطريق مختلقة بالزيادة في وضوح الدلالة عليه ) .
ويختص بعنصَريْ العاطفة والصور الخيالية معاً -لأن الخيال وليد العاطفة-، وقد سمي علم البيان لأنه يساعدنا على زيادة تبيين المعني
وتوضيحه وزيادة التعبير عن العاطفة والوجدان ، باستخدام التشبيهات والاستعارات وأنواع المجازات .
وهي تظهر العميق والغميق من القول كأن يصف المبدع مثلا في كتابة الشيء واستبيانه شيء لم يلاحظه أحد غيره . من أمثلة البيان القرآني:
ولقد قال الله سبحانه في كتابه: { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم } (الإسراء/31)
وقال أيضاً في مقام آخر: { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم } (الأنعام/151)
فلما ذكر الخوف من الفقر مستقبلاً ( خشية إملاق) ولم يذكر وقوعه فعلا،ً قدم رزق الأولاد على آبائهم، من حيث إن الله سبحانه قد رزق الآباء حالياً،
لكنهم يخشون الفقر إذا كثر أولادهم، ولما ذكر في الآية الأخرى وقوع الفقر( من إملاق) دعاهم إلى عدم قتل أولادهم، وقدم سبحانه رزقه لهم على رزق أولادهم،
حيث يُخشى قتلهم أولادهم لقلة رزقهم الحالي.
ومثل هذا يعد من أرفع أنواع البيان الذي تميز به القرآن فيما خاطب به العرب من بني الإنسان...
ومن هذا القبيل استخدام الاستعارة والكناية والتشبيه والتمثيل وغير ذلك. علم المعاني
ويختص بعنصر المعاني والأفكار ، فهو يرشدنا إلى اختيار التركيب اللغوي المناسب للموقف ، كما يرشدنا إلي جعل الصورة اللفظية أقرب ما تكون
دلالة على الفكرة التي تخطر في أذهاننا ، وهو لا يقتصر على البحث في كل جملة مفردة على حدة ، ولكنه يمد نطاق بحثه إلي علاقة كل جملة بالأخرى
وإلي النص كله بوصفه تعبيرا متصلا عن موقف واحد ، إذ أرشدنا إلي ما يسمي : الإيجاز والإطناب ، والفصل والوصل حسبما يقتضيه
مثل الاستعارة والمجاز المرسل والتشبيه
مثال علم المعاني:
ولعل من هذا القبيل ماوري أن أعرابياً سمع قارئاً يقرأ قوله سبحانه:
{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم}
(المائدة/38) فاستنكر منه ختام الآية بصفة الرحمة والمغفرة، حتى تنبه القارئ إلى خطئه فأعاد القراءة على الصحيح :
{ والسارق والسارقة ... والله عزيز حكيم}
كما نزلت في كتابه الله، عند ذلك قال الأعرابي الآن: استقام المعنى. فلا يستحسن في مقام العقوبة، وتهديد السارق بقطع يده، والأمر بذلك إن سرق إلا أن يقال( والله عزيز حكيم)
حيث يوصف الرب سبحانه بالعزة، التي منها أن يأمر بما يشاء بمن يخالفه، ثم بالحكمة التي منها أن لا تزيد العقوبة عن مقدارها
أو تنقص عنه، بل تكون مساوية للذنب ومقاربة.
ومن هذا القبيل أن لا يتفاخر إنسان في مقام الاستجداء والسؤال، وأن لا يمدح من يشكو إلى من هو أكبر منه،
ولا يضحك في مقام التعزية، وأن لا يعبس أو يقطب في خطبته أو كلامه أو شعره في مقام التهنئة
علم البديع
وهو علم تُعرف به وجوهُُ تفيد الحسن في الكلام بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال، أوهو التحسين والتزيين العرضي بعد تكميل دائرة الفصاحة والبلاغة.
ويختص بعنصر الصياغة، فهو يعمل على حسن تنسيق الكلام حتي يجيء بديعا، من خلال حسن تنظيم الجمل والكلمات، مستخدماً ما يسمي بالمحسنات البديعة - سواء اللفظي منها أو المعنوي-.
وهو يشبه بالنسبة للبلاغة العربية كل ما يستخدمه الناس لتجميل أشيائهم تجميلاً ظاهرياً، يلفت الأنظار، ويحرك الأفكار، ويثير الإعجاب، ويطرب الألباب. القرآن الكريم كتاب البلاغة الأم:
وليس ثمة أنفع للإنسان من دراسة القرآن الكريم دراسة لغوية بلاغية، لتحصيل علوم البلاغة، بل وعلوم العربية كلها، فضلاً عن الهداية
والاسترشاد اللذين هما مقصودا القرآن الأول.
واستمع إلى قوله سبحانه:
{ وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء، وقضي الأمر، واستوت على الجود وقيل بعداً للقوم الظالمين } (هود/44)
ثم انظر إلى الآية كيف حوت: أمرين، وخبرين، وبشارة، ودعاء.
أو أجل فكرك في قوله سبحانه:
{ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون } (النحل/90)
كيف جمعت الأمر بكل خير الدنيا والآخرة، على المستوى الفردي والجماعي ونهت عن كل الشرور الدينية والدنيوية،
ثم ختمت ذلك بالتذكير ترغيبا وترهيبا. كتب البلاغة:
قال السيد أحمد الهاشمي في كتابه (جواهر الأدب): وأول كتاب دون في علم البيان كتاب ( مجاز القرآن )
لأبي عبيدة تلميذ الخليل، ثم تبعه العلماء.
ولا يعلم أول من ألف المعاني بالضبط، وإنما أُثِر فيها كلام عن البلغاء، وأشهرهم الجاحظ في (إعجاز القرآن) وغيره.
وأول من دون كتباً في علم البديع ابن المعتز وقدامة بن جعفر...
وبقيت هذه العلوم تتكامل ويزيد فيها العلماء حتى جاء فحل البلاغة:
عبد القاهر الجرجاني فألف في المعاني كتابه ( إعجاز القرآن)
وفي البيان كتابه (أسرار البلاغة)
وجاء بعده السكاكي فألف كتابه العظيم ( مفتاح العلوم).
ومن هذا العلم استخدام السجع، وهو نهاية كل جملة على حرف أو حرفين متطابقين، كقول الأعرابي عندما سئل عن دليل وجود الله فقال:
البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام يدل على المسير، أَفَسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج ألا تدلان على الحكيم الخبير.
ومن هذا العلم أيضاً استخدام الطباق والجناس كقولك: تآلف المؤتلف، وتخالف المختلف، وتشابه المتشابه، وتعارض المتعارض...
ولاشك أن علوم البلاغة الثلاثة لا تنال بمجرد معرفة الاسم، أو مطالعة المبادئ، وإنما لابد للمرء من دراسة مستفيضة
واستماع عميق، ومعايشة ومعاشرة لكتب الأدب وخزائن العربية. | |
|